لقد كان اليوم الأسعد في حياته علي الإطلاق .. فلم يوقظ "يوسف" من غفوته إلا زقزقة العصافير التي اتخذت أشجار قرية "سلوان" بالقدس الشرقية مسكناً لها .. حينها أدرك بأن يومه المنتظر قد جاء بعد طول انتظار, فانتفض من فراشه و ذهب ليسترق النظر عبر زجاج النافذة ليرى كيف هو العالم اليوم, وجد السماء صافية وأشعة الشمس الذهبية تملأ الأرجاء بهجةً ونشاطاً, فتفائل بقدوم يوم جديد يتحقق فيه مراده الذي ملأه شغفاً .. فقد كادت أساريره أن تنطق فرحاً منذ أن علم بإنتهاء تأهيل وتطوير مكتبة القرية و بأنها صارت تستقبل المواطنين من كل صوب وحدب بدئاً من هذا اليوم من بعد تغلب أهل القرية علي إعاقات شتى فرضتها سلطة الاحتلال حتي تحول دون إعادة إعمار أية منشآت ثقافية في قدس العروبة.
كان من يراه يدرك أنه يسابق الزمن حتي يكون من أوائل المنتظرين أمام باب المكتبة الشاهدين علي لحظات افتتاحها للمرة الأولي منذ عقود مضت لم يتح فيها لأهل البلدة أن ينهلوا من كنوز الثقافة والعلم إلا عبر ما قد وصل إليهم من أهل القري المجاورة.
استعد الشاب الواعد إلي الذهاب وقد ملأ الأمل نفسه في غدٍ أفضل له ولعائلته ولبلدته و كيف لا وهو يرى حلمه و حلم آخرون كثر مثله قد صار علي أعتاب التحقيق .. خطا يوسف خطوات واثقة حتي صار يرى المكتبة علي مر البصر وقد إحتشد امامها شباب من كل الأعمار يرون بارقة الأمل تنتظرهم في الداخل عقب الانتهاء من مراسم الافتتاح السعيدة .. تسارعت دقات قلبه فيما هو يقترب من الوصول ..وتسارعت أنفاسه بعدما انضم لأقرانه في انتظار اللحظة الحاسمة .. لقد كانوا يعلمون أنهم لا تفصلهم الا دقائق علي وصول المسئول الرسمي عن الافتتاح لتنطلق الأفراح في البلدة في كل مكان .. ولكن الدقائق كانت كالأيام لا الساعات .. و بينما هم يتبادلون توقعاتهم و آمالهم .. ارتقي الي مسامعهم صوت حاد اخترق الأجواء قادماً إليهم من الأعلي .. و قد كان آخر ما سمعوه في حياتهم.
لم يليه إلا الصمت المطلق الذي عم أرجاء المنطقة المحيطة بأسرها ليغوص وسط بركة من دماء مشبعة بالحلم العربي أبت إلا نهضة وطنها والسعي نحو كرامته.