BLOGGER TEMPLATES AND TWITTER BACKGROUNDS »

Wednesday, 6 August 2014

صاحبة السعادة - 2

حدث ان جائهم زائرا من بلاد بعيدة، بلاد قد علمت حكيمهم سابقا علوم السحر التي بها صار قومه بفعل فاعل سعداء، وها قد تنامى الى مسامع زائرهم ان دروب سحرهم قد زالت مع زوال الحاكم ولم يعد لسحرهم من سلطة على اهل هذه القرية

ولم يكن هذا الامر ليمر مرور الكرام وقد ذهبت سطوتهم التي علموها لحاكم القرية، فقرر زائرهم ان يحل لعنته على قريتهم هذه فلا ينفكوا ان تنمحي منهم اثار السعادة الخارجة عن طوع السحر

قرر ان يلعن صاحبة تلك السعادة ومصدرها بلعنة ابدية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في هذه الحياة على هذا المنحى

 فتمتم بتعاويذه وربط حبال سحره بأن لا تجد هذه الفتاة سعادة داخلها تمكنها من اسعاد الناس الا عبر مصدر آخر نقي من السعادة يشحذ لها روحها فحينئذ فقط تستطيع ان تستمد طاقة تعينها على الاستمرار في نشر سعادتها تلك
وهيهات ان تتمكن من ذلك في بلد قد عصف بها الحزن وتطبع اهلها بطباعه، فحكم مثل هذا يجعلها في عداد الحزني، فعما قريب ستنتهي طاقتها ولن تجد سبيلا يعينها على ان تسعد احدا ابدا

وقد حدث
 فقد استمرت قوت القلوب في مسعاها اليومي ولم تلقي بالا لما سمعته من احاديث اللعنة التي قد سميت بها، حتى حدث ما حدث وخارت قواها يوما ما وكادت ان تسقط ولا احد من اهلها يعلم طريقا لاسعافها او نجدتها .. تكالب كل من هب ودب لمساعدتها ولكن ذهبت كل جهودهم هباءا وهم أهل حزن لا يستطيعون ان يعطوها مثقال ذرة سعيدة تقوى بها .. و تاكد لهم ان قد حلت بها اثار اللعنة نتيجة اسعادها لهم في الفترات السابقة، وان لا سبيل لخلاصها منها وان سعادتها ستكون سببا حزنها وحزنهم هم الابدي بعدها

ولم يصدق كل من سمع الخبر نفسه او عقله وبان هذا حقا قد حدث، فذهب كل شخص بنفسه ليتبين حقيقتها ويتاكد من حقيقة مرضها وانها تسمع وترى ولكن اقرب الى ان تكون ضمن عداد الموتى
وصارت تتوالى الزيارات من اهل البلدة جميعا عليها فتصيبهم وتصيبها خيبة الامل بمقدمهم ورحيلهم بلا اثر يذكر

وكان ممن سمعوا بما اصابها من سوء، فتى القرية اليانع، وصديق الطفولة "نور"، فهب الى الذهاب اليها آسفا لما قد حدث وهو يعلم ان لا فائدة من زيارته تلك الا ان يتضامن معها فقط، فهو ممن غلبت طبيعتهم على طبيعته واتبع هواه فصارت السعادة الحقيقية له منذ زمن نسيًا منسيًا .. وقد كانت هي وحدها من كانت قادرة على تذكيره من قبل بطبيعته السعيدة الفطرية وبامكانها ان تجعل من طبيعته السوية تلك غالبة مادام قريبا منها، فحن الى تلك الايام وهو في طريقه اليها ليرى ما آل اليه أمرها اليوم وهو تراوده الخواطر بانها قطعا نسيته بعد ما حل بها، واذا حدث وان تذكرته فستحزن للقياه على حاله هذا بعد ما كان منه في وقت اخر وزمان غير الزمان وتبدل الحال كطبيعة الاكوان

اشرأب عنقه حين اقترب من مكانها وكان كمن يتسلل بعيناه اسفا عليها قبل ان يتسلل بجسده ليقترب ويواسيها، وبدا يتخذ مكانه بين الحشود يمنة ويسارا حتى يصل الى مقدمة الصفوف امامها ويحادثها.. وحين اقترب والتقت عيناهما، اختلفت ملامح وجهها اختلاف من يتذكر شيء بعيد، ثم بدأت شفتاها ترتجف من وضع السكون المطبق الذي حل بهما منذ ان خارت قواها وما عادت قادرة على الابتسام، وازدادت فتحة فمها انفراجا رويدا رويدا على مرأى من دهشة الجمع والحضور من تلك البسمة التي بدأت ملامحها تتضح شيئا فشيئا على وجه صاحبة السعادة رغم كل ما ألم بها، وقد نطقت شفتاها بكلمة واحدة: نور. 

لم يفهم ولم يفهموا ما حدث.. حتى بدات تستجمع قواها وتخبره بانها تذكر ايام الماضي التي جمعتهما سويا، ولم تستطع ان تنسى الرابط الفطري الذي جمعهما سويا بكل ذكريات السعادة رغم ما حاول الكبار وقتها بان يسلبوه منهما بدعوى هذا ما وجدنا عليه آبائنا
حدث وان استيقظ مصدرا للسعادة فيها من نبع نقي للفطرة جمعهما واستقر بهما ولم يتخيل نور انه سيكون دوائها اليوم وغدا وما لحق بهذا اليوم من ايام
فقط صار للسعادة خطا يرتسم بين عينيهما عند التقائها فتلتقي منابع روحهما عند نقطة قد بَنَت فيها السعادة جسر يصل بين روحيهما لم تستطع كل الاعراف والتقاليد الحزينة ان تعبر اليه او ان تجد اليه طريقا
لم يكن يعلم ان بوجوده جانبها قد اعاد اليها سرا للسعادة خاب املها في ايجاده، وبه ارتدت له سعادته وفطرته التي لم يجدها الا بجوارها منذ زمن، وبعد زمن، فادرك انها مصدر نجاته من نفسه في كل زمن، وانه سببا لسعادة نفسها التي ما ان عادت الى قلبها، عاد الى اهل قريتها طريق السعادة الى وجوههم بعد غياب

لم يدركا الا حينها ان التقائهما صغارا سيكون سببا في سعادتهم دهرا وسعادة كل من عرفهم في زمانهما
ولم يدركا كيف ان قد سنح لهم القدر ان يبتعدا عن بعضهما البعض حينا من الوقت فيما سبق، لا لامر الا لان ياتى قربهما في وقت هم  في اشد الحاجة اليه بعد حين فيكون سببا في نهر من السعادة لا ينقطع يشربان منه ويرتوي الناس منه

ومنذ ذلك الحين، لم تعرف قوت القلوب للسعادة طعما الا في وجود نور، ولم يستمد نور للسعادة دربا في روحه الا في جوار قوت القلوب، ولم يعرف اهل القرية طريقا للشقاء بعد عودة صاحبة السعادة
:-))

#




Friday, 1 August 2014

صاحبة السعادة - 1


 يحكي أن في سالف تاريخ الامم والحضارات، كانت هناك مدينة تعيش حياة رتيبة مثلها مثل سائر المدن، حتى جاء ذاك اليوم الذي ألمت بهم فاجعة موت حكيم المدينة، وكيف لا وهو الذي استطاع ان يجمع شتات أسرها المتناحرة على السلطة والنفوذ ووحدهم تحت  امرته، باستخدام مهاراته السحرية التي تعلمها من كهنة المغرب وتعاويذهم التي اشتهروا بها في غرب القرن الافريقي

وبموته، عرف الجميع للحزن طعما .. فقد ألفوا استقرارا وراحة كانت لهم بمثابة درب من دروب السعادة التي لم يعتادوها وجعلتهم يعيشون جمبا الى جمب لعدد من السنين وفير
ولكن هيهات ان تعود اليهم رائحة السعادة، فما من احد قد ورث فنون السحر تلك التي سرت بين طرقات هذه المدينة وتاثر بها كل قاطنيها طوال الفترة السابقة، وقد استأثر بعلمها حكيم المدينة حتى يظل الامر في حوزته وحده، وقد مات ودفنت حباله السحرية معه

وحينئذ .. عادت القرية الى نقطة الصفر، فبفعل التاثير السحري لم يذكر احدهم سببا للشحناء الماضية قبل ان يتم سحرهم، ولكن في نفس الوقت غابت عنهم السعادة فاصبحت حياتهم حيادية لا ايجاب بها ولا سلب، ما من امر يسعدهم، ولم يتبق في حوزتهم الا الحزن المكنون لسحر زعيمهم المفقود

وبعد ان رحل زعيمهم، كان من نصيب آخرون ان يحلوا ضيوفا جددا على هذه الدنيا

فقد ولدت مولودة جديدة لاحد اسر القرية .. أسمَوها "قوت القلوب" وولد لاسرة أخرى أسموه " نور" .. جائوا الى هذه الدنيا وليس لهم علم بما كان من ماضي أبائهم واجدادهم المتناحرين ولا امر السحر الخاص بزعيمهم الفقيد .. فجائوا على فطرة سعيدة تسكن الى كل ما هو من ابداع رب الكون فحينا يسعدون اذا ما رأووا مطرا ينساب، وحينا يبتسموا اذا ما رأووا ضوء النجوم

ونشأ الطفلان وبقية الاطفال وسط كبار تعساء، فتعلموا منهم الاحرف ونطق الكلام .. وقد تقابلا ولعبا سويا ومرحا لبعض من الوقت  كعادة اطفال القرية الصغيرة في باحاتها تلك المهيئة للركض والحفر على الرمال والاختباء
ولكن مع الوقت، بدأ أثر اهل القرية التعيس وطبائعهم يزدادون رؤية ووضوحا لدى الاطفال جميعهم، بيد ان الطفلين لم يمنعهم هذا من ان يحافظا على رابط فطري من السعادة بينهما كما اعتادا ان يلعبا ويمرحا بفطرتهما فيما سبق

ولكن مدى تاثرهما بمن حولهم قد اختلف فيما بينهم

فها هو نور قد بدأ يتطبع بطباع حزينة لا يعلم فيها للسعادة دروبا كثيرة كما اعتاد من قبل في طفولته، فقد كان قديما يفعل كل شيء بروحه السعيدة، ولكن الان فلا، صار يعلم انها امورا روتينية تملا الحياة ولا اهمية للسعادة ان تسكنها، فهي حياة سيعيشها ويموتها كما ماتها كل من كان يسكن قريته، وكما رأى ان نصيب اهله جميعا هو الحزن، افيختلف هو عنهم؟

بينما قوت القلوب، أبت طبيعتها الانثوية الذاخر قلبها بالمشاعر الفطرية الفياضة الا ان تتمسك بحب السعادة، فتحتوي حزن من حولها وتحوله الى بهجة في قلب كل من يقابلها او يتعامل معها، فيتغير حاله امامها وفي حضورها، ثم قد يعود الى الحزن اذا ما انصرف عنها، فهي بطبيعتها وقوة تحملها لم ترى للحزن بابا فسارت تسكب سعادة في قلوب الجميع، فهي القوت الذي يذكرهم بماهية الحياة السعيدة التي حكى عنها وعاشها من تاثروا بالسحر قديما

ذاع صيتها مع زيادة عمرها واداءها المتصاعد لواجبات اهلها وعائلتها في المدينة، فصارت المدينة تسمع في كل حدب وصوب فيها عن قصة الفتاة التي تحتفظ بداخلها بسرا من اسرار السعادة، يتاثر به ويشعر به متسللا في قلبه كل من اقترب منها، او تحدث اليها ولو لبرهة من الوقت صغيرة
وكانت هي بالمقابل تتجدد طاقتها وتستمدها من ابتسامات الناس والضحكات التي رسمتها على وجوههم فتحصل على طاقة تعينها على ان تسعد اشخاصا اخرين وان تستمر في سعيها هذا

منذ ذلك الحين، علمت هي ان لها رسالة في هذه الحياة ودورا يختلف عن كل سكان القرية، علمت انها قد رزقت حب الناس والقدرة على نشر السعادة في قلوب من يحيطون بها ويتعاملون معها، وصارت سببا من اسباب قوى الطبيعة في رسم البسمة على وجوه من تقابلهم من كل صوب وحدب .. واستعاد اهل القرية ايمانهم في ان هناك سببا غير السحر قادر على ان ينشر السعادة في قلوب الناس

ثم حدث ما لم يتمناه اهل القرية ولم تتوقعه هي

...

يُتبع

31/07/2014