BLOGGER TEMPLATES AND TWITTER BACKGROUNDS »

Tuesday 26 July 2011

خطيب


بدأت القصة منذ ثلاثة أسابيع .. أو هكذا أظن ..
فمنذ ان نزحت الي محرم بك لأقضي فترة الامتحانات التي تقارب الشهر لدي جدي وجدتي و قد مرت بي أربع جُمعات وأنا هناك .. أخبرني جدي بأن هناك خطيبآ جيدآ جديدآ أتي إلي المسجد المجاور فلم أكذب خبرا ولم أُرد أن اتوقع له شيئا فيخيب ظني به إذا اكتشفت أنه أقل مما اتخيل منزلةً في الالقاء .. ذهبت أول مرة الي ذلك المسجد وجلست لأستمع إلي خطبته -وربما ساورني احساس لسان حاله: لعله يكون مثل خطيب المسجد الذي أسفل بيتي الذي لا يتقن فن الخطابة فيجبرني علي عدم تركيز في خطبته كل جمعة .. وما عساه أن يقدم جديدآ الينا؟ - استمعت فوجدت كلامه علي غير ما اعتدت سماعه وعلي غير ما تحدثني به سحنته .. فوجهه كان دالآ علي فلاح في منتصف العمر قد شاب به الزمن شيئا ليس بالقليل, وجسده أراه هزيلآ نسبة إلي أقرانه .. ورغم ذلك الا ان صوته كان مرتفعا في الحق معينآ لك علي أن تتدبر في كلامه شئت أم أبيت وهو ماهر في عدم تركك تتفلت منه حتي وان طالت خطبته .. كان حديثه بسيطا في تراكيبه, قريبا منك في أمثلته, يتسلل من نقطة إلي نقطة باتصال منطقي ومحبب, يستوقف حديثه من حين إلي حين كي يجعلك تذكر الله أو تصلي علي نبيه -صلي الله عليه وسلم- هذا غير أن حديثه يرتبط بالواقع أشد الصلة فتجده إسقاطا علي أحداث الأمس واليوم بما يتماشي مع عنوان الخطبة .. وفي آخر خطبته يشوقك الي سماع الخطبة القادمة ويخطرك بما سنتعلمه فيها في اقتضاب .. ثم تنتهي الخطبة و يَؤمّ الناس لصلاة الجمعة فما أن تنتهي حتي يتحدث بسؤال فقهي كإشكال ما في الصلاة أو الوضوء قد اُعتيد بين الناس فيخبر المصلين بصوابه وخطأه ...
اليوم, ورغم أنها الجمعة الأولي من بعد الامتحانات, إلا أنني آثرت ألا أترك محرم بك قبل أن أسمع خطبة ذلك اليوم أولا .. فقد شوقني اليها من المرة السابقة التي تحدث فيها عن الاحلام وتفسيرها وأحكامها وما يختلط من الامر منها .. ثم ذكر أن المرة التالية سيستتبع في حديثه عنها لينهيه فوددت أن أنهي ما قد بدأته في المرة السابقة معه ثم أرحل من بعدها مفقتدآ لمثل ذلك الخطيب ...
بعدما انتهت خطبة اليوم كان قد بدر الي ذهني سؤالا فذهبت لأسئله عنه فوجدته علي عجلة من أمره فأخبرني أن أرافقه في طريق عودته فيجيبني بما أريد فذهبت معه خارج المسجد أرافقه بغية أن أعرف الاجابة فوجدته في باديء السير قد أخذ يدي ليرفقها في يدها فنسير كما لو كان قريبا مني كالصديق, فأزال عني حاجز التعامل لأحدثه كما لو كان أبي, وفي أثناء المسير كان يقول المثال تلو الاخر ليفسر به إجابته وأحيانا يتوقف عن المسير ليتحدث بشيء من حماسة ثم يجعلنا نتابع السير, عقب انتهائه من الاجابة سألني عن رأيي في خطبته فأخبرته بكم أنها قد وقعت مني موقع إفادة وحُسن, فوجدته يقول لي أنا أول العصاة فيكم وأرجو أن يتقبل مني الله فأُعجبت بتواضعه وزاد تعجبي حين سألني قبل أن أتركه بأن أدعو له قائلا: "تبقي تدعيلي يا شيخ ربنا يكرمك" حينها توقف لساني عن الحديث ثم ما لبثت أن استجمعت أمري لادعو الله له ان يجزيه عنا خيرا .. وذهب هو ليكمل طريقه, و ذهبت أنا .. وفي عقلي ألف سؤال و سؤال......

كم نفتقد أمثاله!


28/1/2010

0 COMMENTS: